ماذا لو أن عمرى جاوز الخامسة والعشرين وحالتى الاجتماعية غير متزوجة، كيف يكون ظنى بنفسى؟
لو أنى بهذه الحالة فظنى بنفسى كل خير، فالزواج رزق.. أذكّر نفسى بها دائماً وكذلك من حولى وأقولها بيقين فيها وكون الزواج رزقاً.
أى بقدر الله ولا دخل لأحد فى قدر الله ولا شىء يهز ثقتى فى ربى ولا ثقتى فى أن حكمته اقتضت تأخير ذلك الرزق وربما كان لرزق آخر قد كتبه الله لى، ذلك أن العلة فى أصل الخلق ليست الزواج وإنما الخلافة.
والتى مقتضاها العبادة، فقد أثبت الله تبارك وتعالى لآدم استحقاقية الخلافة قبل أن يكلفه بالعبادة، قال تبارك وتعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً.. . » لذلك اقتضت خلافة آدم عبوديته لله الكاملة.
والزواج من جملة أسباب تمكين الخلافة فى الأرض لتحصيله السكن والأنس، فلمّا خلق الله أول خلقه آدم أخبر ملائكتَه «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً».
قال الله عز وجل عن آدم أبوالبشر إنه خليفته - ولن أعقب على كون الإنسان خليفة الله فى أرضه وإنما التعقيب على مستلزمات تلك الخلافة -
وقد أتاح الله لآدم أسباب تمكين القيام بوظيفته، فأول الأسباب كان العلم وثانيها التعرف إلى الملائكة وثالثها معرفة عدوه (الشيطان) ورابعها خلق الزوج (السكن) وخامسها تعرفه إلى موطنه الحقيقى (الجنة) وسادسها تعرفه أن الأرض مستقر ومتاع زائل.
ويلى تلك الأسباب الذرية «وبثّ منهما رجالا كثيراً ونساء» وهو الشاهد فى هذا المقام، حيث يقول المولى جل فى علاه فى أمر الذرية «يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً»، وإرادته سبحانه سلب تلك الهبة من بعض خلقه لا ينفى سبباً من الأسباب الرئيسية لتمكين الخلافة وهو الذرية..
وقياساً على ذلك فإن إرادته سبحانه سلب هبة الزوج من البعض لا ينفى أيضاً سبباً من الأسباب الرئيسية لتمكين الخلافة، فلن تنتهى الحياة حتى تنتهى العدة التى أرادها الله.
وقد وزع الله أسباب فضله على عباده فجعل هذا يأخذ من الفضائل جانباً وهذا يأخذ من الفضائل جانباً ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً. ومن هذا المنطلق فعدم الزواج ليس إشكالية حياتى.
وليس العيب أن يتجاوز عمرى الخامسة والعشرين أو حتى أكثر ولم أتزوج وإنما العيب أن أفنى سنين عمرى فى الانتظار أو أن أندب سوء حظى وأتحسر على نفسى فهذا من الجهل وضعف الإيمان وعدم الثقة فى الله وفى نفسى. أما عن وصمة العار التى تلحق بالفتاة التى امتد عمرها.
ولم تتزوج حيث تكون بذلك دخلت فى نطاق ظاهرة العنوسة. تأخر سن الزواج ليست ظاهرة قائمة بذاتها.
وإنما هى من الآثار المترتبة على أنماط الخلل التى أصبحت موجودة فى حياتنا، أى إن تأخر سن الزواج من الأعراض المهمة لأدواء تفشت فى مجتمعنا واستفحلت ونحن فى حاجة لعلاج المرض وليس العرض.
* وأنماط الخلل فى مجتمعنا أذكر منها لا أحصيها:
أولاً: هذيان كيان عماد الأمة (الشباب)
هناك أنماط من الشخصيات ليس لديها وعى ولا إدراك ولا وازع دينى وتعانى من عدم وضوح الرؤية.. وتتخبط فى الظلام ليس ظلاماً وإنما ظلمات.
لا يعرف ماذا يريد وليس لديه استبصار بقدراته، كل هذا وزيادة عليه أليس من شأنه أن يؤثر بدوره على أمر الزواج؟! فمن بين مائة رجل تجد رجلاً كفؤا مما يشكل أزمة بكل المقاييس.
ثانياً: الفساد العريض الموجود فى بيوتنا
آهٍ ثم آهٍ.. مما يحدث فى بيوتنا من سوء معاملة وسوء خلق وفقدان احترام كل طرف للطرف الآخر ونفسح المجال للشيطان لكى يفعل بنا الأفاعيل ويكيد بنا.
وكل هذا بكل أسف له أثره السلبى فى نفوس الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بما يفسد الفطرة السوية داخلهم ويفقدهم القدوة الصالحة..
ثالثاً: تصدع العلاقات الأسرية
فساد العلاقة بين الزوجين ينعكس تأثيرها على الأبناء مما يحدث فجوة وجفاءً روحياً ونفسياً من شأنه ألا يدفع للارتباط.
رابعاً: الثقافة المغلوطة التى تحملها الأجيال الصاعدة
أصبحت المادة هى المهيمنة على حياتنا، وفقد العلم قيمته فى مجتمعنا ويسعى الكثيرون منا ليكونوا أصحاب ممتلكات.. لا ليكونوا أصحاب خلق أو أصحاب دين أو أصحاب علم، فتخبطنا والتبست علينا الأمور ومنها أن أصبحنا كل منا ينظر للآخر - أى الرجل والمرأة - نظرة خاطئة مشوهة..
خامساً: تعنت وتسلط بعض الآباء والأمهات
يتسلط بعض الآباء والأمهات فى أمور الزواج، لا سيما فى الاختيار وفى تكاليف الزواج وربما مكان الاستقرار - بيت الزوجية - وأسلوب الحياة، مما يترك أثراً نفسياً سيئاً فى نفوس الشباب ويعرقل حياتهم.
سادساً: الظروف المجتمعية الصعبة
ذاك الملعب الذى يرمى كل منا بالكرة لصاحبه داخله، حيث يلقى كل منا باللائمة على أخيه ويشير إليه بإصبع الاتهام بأنه هو المدان وهو من يقصر فى واجباته ومسئولياته.. كأننا فى دائرة مفرغة أولها يؤدى إلى آخرها ليعود بنا من حيث بدأنا.
لكنى أنحى كل هذا جانباً وأنظر لنفسى وأحاول استبصار ذاتى وأسعى جاهدة أن أعبد ربى حق عبادته وأن أنفع دينى وأنفع أهلى وبلدى وأن أنفع نفسى ولا أضيع عمرى فى الأوهام ولا فى الانتظار حتى أجد ما أقوله لربى غداً..
وأسعى أن أدرك الواقع الذى أعيش فيه بكل محاسنه ومساوئه وأتعامل مع مفرداته من منطلق ثقافتى الذاتية.. حتى أكون الشخصية الفاعلة ذات التأثير الإيجابى فيما حولها من أشخاص وظروف ومواقف.
هذه رؤيتى الشخصية وتصورى الذاتى لنفسى وللحياة من حولى فلم يملِ علىَّ أحد أفكاره ولم يجبرنى أحد على أن أسلك مسلكاً لا أعتقد به لأنه ليس للإنسان إلا ما سعى..
وعليه لا بد أن يحيا المرء باختياره وبقراره هو لا بقرار الآخرين.. على هذا الحال إن قدر الله لى الزواج أو لم يقدر لن يؤثر على علاقتى بربى ولا بنفسى ولا على علاقتى بالآخرين من حولى.
الكاتب: أ. عدولة الشحات
المصدر: جريدة الوطن